عرض المادة
وجاء دور الكبيسي
2012-04-25
وجاء دور الكُبيـسي!
إنَّ ما تفوَّه به أحمد الكبيسي -في برنامجه التلفزيوني على قناة دبي- في حقِّ الصحابي الجليل أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، حيث نال منه بأشنعِ كلامٍ وأوقحِه وأبشعه وأقبحه، ليست السقطة الأولى التي تُحسب عليه، فكم لهذا الرجل من السقطات والرزايا.
وقبل الحديث عن الكبيسي يجدر بنا التنبيه على أنه قد تفشّت ظاهرة سيئة بين بعض المتصدرين للدعوة، حيث إنهم يظهرون للناس على أنهم دعاة من أهل السنة، ولكنهم حينما يتحدّثون، يتكلمون بنَفَس رافضي، وما الكبيسي والسويدان ومحمد العوضي إلا من هذا الصنف، حيث إنهم يعمدون إلى الموضوعات التي تقربهم من الرافضة، وتدغدغ مشاعرهم، فيجعلونها وسيلة للتوصل إلى قلوبهم.
فهل كان فعلهم هذا من أجل الحصول على دنيا زائلة من متاع أو جاه، أم لأجل الدعوة كما هو متوهم؟!.
وفي الجانب الآخر تجد بعض أدعياء الدعوة هجموا على كثير من قواعد السلف العقدية، مجتهدين في ضربها، بحجة أنها ليست قرآناً يُتلى حتى لا تناقش!!
وأدل دليل على ذلك ما فعله محسن العواجي من هجوم شرس على القاعدة السلفية المجمع عليها بين أهل السنة:«السكوت عما شجر بين الصحابة».
وعوداً على الكبيسي، فقد عاش في الإمارات حتى سنة سقوط صدام حسين عام 2003م، ورأى في سقوطه بارقة أمل تلوح له للرجوع إلى العراق، فهبَّ مسرعاً إلى العراق لعله يظفر بمنصب، ولما لم يتهيأ له شيءٌ من ذلك رجع أدراجه، ولم يزل في دولة الإمارات حتى هذا الوقت.
ولم يفتأ الكبيسي يتنقَّل بين القنوات الفضائية، ومنذ بداية نشاطه الإعلامي وهو ينفث سمومه وشبهه، ويعلن هجومه الشرس على أهل السنة، وقد حوى في فكره خليطاً من العقائد تبلورت في جسد واحد.
ومن ذلك تبنِّيه لمسائل عقدية على طريقة المعتزلة، حيث يعهد إلى القياس العقلي دون النظر إلى النصوص الشرعية فيقدم العقل على النقل من الوحيين .
كما أنه يحمل نفَساً عدائياً شديداً لأهل السنة، ويسمي أهل السنة بالوهابية، ويقرن بين الوهابية والبعثية والشيوعية، ويتّهمهم بأنهم يؤدون دوراً سياسياً لا يختلف عن دور الشيوعيين، وهو بمقارنته تلك يريد أن يبيِّن للمتلقي أنَّ الدعوة إلى السنة وفهم السلف الصالح إنما هو تخطيط دنيوي بحتٌ للحصول على ملكٍ ودنيا، لا دعوة إلى الإسلام الصحيحِ وتصحيحِ العقائد والعبادات.
وكم تكلم هذا المفتون بالحرية-كغيره- بكلام شنيع يتضمَّن في طياته دعوة المجتمعات الإسلامية أنْ لا تحمل من مبادئ الإسلام إلا المُسمَّى، وتكون على الحقيقة مجتمعات علمانية تشجع الرذائل والفساد، وينادي بترك الحرية للناس، يقولون ما شاءوا، ويعتقدون ما شاءوا ويفعلون ما شاءوا، فمن شاء ذهب إلى المسجد، ومن شاء إلى الخمارة دون نكيرٍ عليه، بدعوى أنَّ هذه حرية.
والكبيسي يهوِّن من مسائل الخلاف العقدي، ويجعل الفيصل عنده فقط هو: القِبلة، وأنَّ كل من صلى إلى القبلة فهو مسلم، وأنَّ من قسّم الناس إلى كافر ومشرك ومبتدع، أن هذه دعاوى فارغة، وأنَّ كل الطوائف مشروعة، وأنَّ من قسَّم الناس إلى هذه التقسيمات، فسوف يحاسب حساباً عسيراً يوم القيامة!.
ولاتّباعه هذا المبدأ فهو يهوّن من مسائل الخلاف بين أهل السنة والرافضة، وجعل الخلاف بينهم كالخلاف في صفة الصلاة، وكالخلاف داخل المذاهب الفقهية السنيِّة الأربعة.
وأعجب ما سمعته منه قوله عن الإمارات- وهي محبوبة لديَّ أنا- ما لا أتصوَّر أنْ يقوله عاقل: "من أنها حسناء الدنيا والآخرة، تلك هي دولة الإمارات، وما فيها من عبر لكلِّ الحكم الإسلامي في هذا الزمان، وكونها حجة عليهم يوم القيامة!!..".
وقد ذكرني قوله هذا بقصة حصلت للخليفة المهدي رحمه الله، حيث كان المهدي يشتهي الحمام، فدخل عليه غياث بن إبراهيم المحدث، وهو مع الحَمَام.
فقيل له: حدث أمير المؤمنين، فحدَّث بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سبق إلا في خف أو حافر"، وزاد فيه: "أو جَنَاح". فأمر له بعشرة آلاف درهم.
فلما ولى قال: أشهد أنه قفا كذابٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أراد أن يتقرَّب إليَّ لولعي بالحمام، فذبحها كلها. وما أفلح غياث بعد ذلك.
والكبيسي يتكلم بلسانٍ علماني شديد اللهجة في عباراته، حيث يقول: ما من عباءه أشدُّ فرقه من العباءة الدينية، وأنَّ العباءة الدينية فرقت الأمة تفريقاً كاملاً.
ويحمل على العلماء بكل ما أوتيه من قوة، ويعني علماء أهل التوحيد والسنة، ويتهمهم قائلاً: التفريق بين المسلمين الآن أساسه العلماء، فرَّقوا السنة إلى مذاهب، والمسلمين إلى طوائف، فهو يتبع طريقة تحطيم الرموز وإسقاطها حتى يصفو الجوُّ لأمثاله.
وأما بالنسبة للحوار، فهو سيِّء الأدب، لا يدع لمحاوره فرصة للحديث، ولا لمناقشِه مهلة لبدي برأيه، ويسعي لإسكات الطرف الآخر بقولِه: وصلت فكرتك، ثمَّ يعبِّر عنه بما شاء.
وهذا على خلاف ما يدعو إليه من الحرية!!
والكبيسي لديه جرأة بل قلة حياء في طرح المسائل الخاصة بفراش الزوجية بأسلوب بذيءٍ وقح عبر القنوات الفضائية، زيادة على كون الحوار كان بحضور نساء.
وللكبيسي فتاوى تشجع الانحلال الأخلاقي، كفتواه للرجل أنه إذا كانت له صديقة، وأراد أن يأخذها إلى ماخور الدعارة-وحتى لا يقع بالزنا- فيقول لها: زوجيني نفسك، وتقول هي: زوجتك نفسي.
وهذا إن كان متعة، فهو حرام بالإجماع، على أنه كذَب في كلامه حول المتعة وجعله وكأنه من المسائل المختلف فيها، وإنما الخلاف مع الرافضة وليس لهم محل في الخلاف.
ثمَّ إنَّ هذه المرأة في هذه الصورة زانية، فهل يُعقد على زانية.
وما ذكرْتُ هذه الآراء الصادرة عن الكبيسي لأُتبعها بالرد، لكونها معلومةَ الحكم، ولكن لأدلل على انحرافاته التي اتفق العقلاء على معرفتها، والتي كان آخرها هجومه السافر على خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، الذي لو لم يُذكر من فضائله إلا أنه صحابي لكفى، فكيف وقد ثبت له من الفضائل العظيمة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، واصطفاؤه بجعله من كتاب الوحي.
وكان أبشع ما تكلم به-قاتله الله- قوله بكل تشنّج لمتصلة على برنامجه: الله يحشرني مع علي ويحشرك مع معاوية، وكأنها شهادة منه أنَّ معاوية من أهل النار، أو أنَّ العقوبة حالةٌ به يوم القيامة لا محالة، (إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون) .
وقد عمد الكبيسي إلى الهجوم الوقح الشرس بأقبح العبارات وأوقحها على خال المؤمنين تغزلاً بالرافضة، ونصّب نفسه مناصراً لعلي رضي الله عنه-ونشهد الله على حبِّه- ضدَّ معاوية رضي الله عنه، مصوراً للناس أنَّ حبَّ عليٍّ لا يجتمع وحبَّ معاوية.
وإنَّ هذا لأعظم دليل على أنَّ الكبيسي –إن كان سنياً- يجهل مسلّمات العقيدة التي يعلمها صغار طلاب العلم من أهل السنة، حيث لم تختلط عقولهم بشبهة، فعرفوا للصحابة قدرهم، وامتلأت قلوبهم بمحبتهم، وتجنبوا الخوض فيما شجر بينهم، معتقدين أنَّ ما جرى بينهم من القتال والفتنة كان محض اجتهاد منهم، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، وأنَّ عندهم من الأعمال والسابقة في الخير ما يكون سبباً في تكفير سيئاتهم، وقد جاء عن أبي زرعة الرازي رحمه الله، أنه قال له رجل: إنى أبغض معاوية. فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل علياً.
فقال له أبو زرعة: ويحك، إن ربَّ معاوية ربٌ رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فإيش دخولك أنت بينهما؟
إنَّ المصيبة العظمى لا تتمثل في كون الكبيسي اعتدى على معاوية بالتنقص والثلب فحسب، بل الأدهى والأمر من ذلك وأكبر هو تصدُّر أمثال الكبيسي للدعوة، وظهورهم للناس على أنهم من أهل السنة، فيجرونهم إلى خلاف العقيدة الصحيحة، فتراهم حيارى يترنحون بسبب الشبه.
فإلى الله نشكو حال هذه الأمة، التي انفتحت عليها أبواب الشبه، وكلما ارتاح الناس من شبهة، إذ بقاصمة أخرى تحملهم إلى بحر متلاطم الأمواج، وظلمات من الحيرة.
ومع كل هذا فلا زلنا متفائلين بأنَّ هذه الابتلاءات لا تزيد المؤمنين إلا ثباتاً على الحق وتشبثاً به، ولا أدلّ على ذلك مما نراه من غيرة كثيرٍ من المسلمين على حدود الله حين تُنتهك من قِبَل أهل الباطل، فيهبُّ أهل الخير للدفاع المستميت عنها، ويعلنون النفير، ويقارعون الحجة بالحجة، حتى يعلو صوت الحق، ويندحر صوت الباطل، "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".