عرض المادة
نبذة في أحكام الجنائز
نبذة في أحكام الجنائز
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد..
فهذه بعض الأحكام المختصرة التي يحسن بالمسلم معرفتها، وهي أحكام تتعلق بالمتوفى من حين معاينته الاحتضار إلى أن يدفن ويصير من عداد الموتى، كتبتها لمسيس الحاجة إليه، أسأل الله أن ينفعني وإخواني المسلمين بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
*فمما ينبغي معرفته لمن حضره الموت أن يحسن الظن بربه سبحانه، وأن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله على ذنوبه، ويرجو رحمته، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى".
*وعلى من حضر امرءاً يحتضر أن يلقنه الشهادة بقوله: (قل لا إله إلا الله)، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
*أما قراءة (سورة يس) عنده، أو توجيهه للقبلة عند الاحتضار، فلا يصح فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
*فإذا قبض الميت أغلقت عيناه وستر بدنه، لأنْ لا ينكشف، فقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة ـ وقد شق بصره ـ فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض أتبعه البصر"، فضج أناس من أهله، فقال: "لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون".
*ويجوز البكاء على الميت بما لا يكون معه ضجر أو تسخط على أقدار الله، فلما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟!.. فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
*وتحرم النياحة على الميت: وهي البكاء بتسخط وشق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية بتعديد محاسن الميت، قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية"، وقال ابن مسعود: "إني برئ مما برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه برئ من الشاقة والصالقة والحالقة".
الشاقة: التي تشق ثوبها عند المصيبة، والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصبية.
وقال صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".
*والميت يعذب بنياحة أهله عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "الميت يعذب بما نيح عليه"، قيل: إنه يعذب إذا أوصى بالنياحة عليه، وقيل: يعذب بنياحة أهله عليه إذا لم يوصهم بترك النياحة ـ لا سيما إذا كان من عادتهم النياحة كما في بعض المجتمعات والدول ـ، فيعذب في قبره بسبب ذلك، ولذا فإن من المشروع للمسلم أن يوصى أهله بعدم النياحة عليه لو مات.
*ويجب المبادرة بقضاء دين المتوفى من ماله إن وجد له مال، ويقدم الدين على الوصية وعلى قسمة التركة، فإن لم يوجد له مال وتحمل أحد المسلمين دينه فهو محسن، وقد غلّظ النبي صلى الله عليه وسلم في حق من مات وعليه دين حتى إنه ترك الصلاة عليه في أول الأمر تأديباً لغيره أن يفعل مثل فعله، فقد جيء إليه برجل متوفى ليصلي عليه فقال: "أعليه دين؟" قالوا: نعم. قال: "صلوا على صاحبكم"، وقال له رجل: يا رسول الله: أرأيت إن قتلتُ في سبيل الله؟ أتُغفر ذنوبي؟ قال: "نعم". فلما انصرف قال: "إنْ قتلت مقبلا غير مدبر، تغفر ذنوبك إلا الدين فإن جبريل سارني بها"، وقال صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين".
فعلى المسلم أن يتخلص من حقوق العباد ومظالمهم، وأن يوفى دينه إن كان عليه دين، وعليه أن يكتب وصيته بحقوق الناس ومالهم عنده من المال، فإذا كان الدين يوقف الشهيد فكيف بمن سواه؟.
*ويجب تغسيل الميت لقوله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر"، ويغسل وتراً، ويبدأ بميامنه ومواضع الوضوء منه، ويضفر شعر المرأة ثلاثةَ قرون من خلفها، ويطيب الميت، إلا من مات وهو محرم فلا يطيب لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات محرماً: "اغسلوه بماء وسدر ولا تمسوه طيباً فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا".
*ويُختار له مغسلاً أميناً يستر ما يرى منه، ويحتسب الأجر في عمله وستره على أخيه المسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "من غسّل مسلماً فكتم عليه غفر الله له أربعين مرة"، ويجوز للمغسل أن يخبر بعلامات الخير التي رآها في المتوفى، ولا يجوز أن يخبر بعلامات الشر لأن هذا من الغيبَة.
*ولا يجوز للرجل أن يغسل المرأة، ولا المرأة أن تغسل الرجل إلا الزوجان فيجوز لأحدهما أن يغسل صاحبه إذا مات.
*ويغسل جميع المسلمين إلا شهيد المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه أما الشهداء من غيرها (كالغريق والحريق وصاحب الطاعون ونحوهم) فيغسلون ويصلى عليهم بلا نزاع فهم شهداء في ثواب الآخرة.
*ويصلى على المسلم العاصي وإن ارتكب كبيرة ومات فاسقاً، إلا من علم نفاقه وزندقته فإنه لا تجوز الصلاة عليه وإن كان مظهراً للإسلام.
*ولا بأس بالنعي ـ وهو الإخبار بموت الميت ـ لتكثير المصلين عليه والدعاء له، فقد نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي لأصحابه حين مات.
*ويمنع النعي على طريقة أهل الجاهلية، من إرسالهم من يعلن بخبر الميت على أبواب الدور، ومثله الآن الإعلانات التي توضع في الشوارع باسم المتوفى وتكتب باللون الأسود إظهاراً للحزن.
*وتسن التعزية بالميت لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى أخاه في مصيبته كساه الله حلّة خضراء يحبر بها يوم القيامة". قيل وما يحبر؟! قال: "يغبط".
*ولو عزي أهل الميت في المنزل فلا بأس لأن التعزية سنة، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولكن لا تقام الخيام والمجالس المبتدعة وتصنع الولائم إظهاراً للحزن.
*كما أنه إذا جُلس للعزاء فلا تعمل الولائم من قبل أهل الميت ويجتمع إليها الناس فإن ذلك أمر منهي عنه، حتى قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفن الميت من النياحة".
*ولو جاء بعض جيران المتوفى بالطعام إلى أهله فهذا إحسان وهو من مكارم الأخلاق التي دلت عليها السنة النبوية، قال صلى الله علية وسلم حين توفي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه جاءهم ما يشغلهم".
*ولو صُنِع لأهل الميت طعام من جيرانهم فدعوا إليه من يزورهم من المعزين فلا بأس بذلك.
*ولا يشرع لمن زار أهل المتوفى لتعزيتهم أن يرفع يديه، أو يقول: الفاتحة، أويقرأ القرآن قبل الدخول والسلام، فهذه بدعه محدثة لا أصل لها من الشرع.
*وتجوز التعزية في المقبرة، بشرط ألا يضر ذلك بالمقبور من انصراف الناس عنه دون الدعاء له، وهو في تلك الحال في أمسّ الحاجة للدعاء.
*وليس للعزاء توقيت، فتحديده بثلاثة أيام ليس بصحيح، بل متى ما سنحت للمرء الفرصة عزى أخاه بمصيبته، لأن التعزية مواساة.
*ولا بأس بالتعزية في المسلم وإن مات عاصيا.
*ولا يجوز ذبح "الطمانة"، والوليمة التي يسمونها صدقة بعد مرور اليوم الثالث، فهذه بدعة لا تشهد ولا تؤكل، كما يحرم إقامة الذكرى للميت لأنها من البدع المحدثة.
*وإذا أدخل المتوفى في قبره فالمشروع أن يُدخل من اللحد من قبل رجليه، ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله وعلى سنة رسول الله"، أو: "بسم الله وعلى ملة رسول الله"، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
*ولا يشرع كشف وجه الميت في قبره سواء كان رجلا أو امرأة.
*كما أنه لا يلزم أن يلحد المرأة أحد محارمها بل يجوز أن يلحدها أحد صالحي الحاضرين، إذا دعت الحاجة إليه، ويدل على ذلك: أنه لما توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة لعثمان بن عفان رضي الله عنه، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة رضي الله عنه أن يلحدها.
*ولا يشرع تلقين الميت الشهادة ـ بعد دفنه ـ في لحده فإن هذا من البدع المحدثة ولا يثبت فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*كما أنه لا يشرع قراءة سورة (يس) ولا غيرها من القرآن ولا الأذان ولا الإقامة على القبر بعد الدفن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة"، فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعاً للقراءة.
*فإذا دفن الميت أعيد تراب قبره إليه، ولا يزاد عليه من تراب غيره، لما جاء عن النبي صلى الله علية وسلم أنه: "نهى أن يزاد على القبر".
*وتسنّ زيارة القبور للعبرة والعظة وتذكر الآخرة والدعاء للمسلمين، فإذا خلت من هذه الأسباب لم تكن مرادةً شرعاً.
كما أنه يشترط عند زيارتها ألا يقول أو يفعل ما يغضب الرب سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة ولتزدكم زيارتها خيراً، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُجرا"، أي: باطلاً.
فالواجب على من زار القبور أن يستحضر أنَّ زيارتها للعظة والاعتبار، لا العمل الباطل، والانشغال في الكلام المنكر كما يحدث من بعض العامة.
كما أن في زيارتها نفعا للميت
*ومن البدع المحدثة التي لا يجوز فعلها: تحديد يوم معين لزيارة القبور كما يفعله الكفار مع أمواتهم، فتجد بعض المسلمين وقد حدد لزيارة أقربائه موعداً معيناً، كيوم الجمعة من كل أسبوع، أو زيارتها أيام العيد، وهذا من البدع المحدثة التي لا يؤجر العبد عليها، لأنها تشريع مالم يأذن به الله، ولم يرد فيه نص صريح عن رسول الله عليه وسلم، الذي قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، أي: مردود عليه.
*كما أنه لا يجوز البناء على القبور ولا رفعها ولا القعود عليها ولا الكتابة عليها (كمن يكتب اسم الميت على لوحات رخامية)، فهذا أمر محدث شنيع، ولو كان فيه خير لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد نهى صلى الله عليه وسلم: "أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه أو يزاد عليه أو يكتب عليه"، وما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا من باب سدّ الذرائع المفضية إلى التعلق بأصحاب القبور.
ولذلك فقد صار البناء على القبور ووضع اللَّبِن عليها، ذريعة للغلو في أصحابها، حتى عبدت من دون الله في كثير من البلدان، فصار الناس يدعونها من دون الله ويتبركون بها، وقد تعلقت بها قلوبهم.
وقد نهى الشارع الحكيم عن ذلك، سدّا لكل باب يفضي إلى [الشرك] والانحراف بالناس عن التدين الصحيح لله رب العالمين.
*ولا بأس لمن أراد أن يميز قبر قريبه، أن يضع عليه علامةً كحجر أو حديد أو عظم، كما علّم النبي صلى الله عليه وسلم قبر عثمان بن مظعون بحجرٍ وقال: "أتعلم بها قبر أخي".
*ولا يجوز وضع الرياحين والورود على القبور، فهذا من فعل الكفار والمشركين في قبورهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من تشبه بقومٍ فهو منهم".
*ولا يوطأ على القبر ولا يجلس عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يطأ على قبر".
*وتحرم الصلاة إلى القبور لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها"، كما أنها تحرم الصلاة في مسجد أقيم على قبر، سواء كان هذا القبر في القبلة أو غيرها سدًا لذريعة الشرك، قال صلى الله عليه وسلم: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" أي: موضعاً للعبادة.
لذا فالواجب عليك أيها المسلم إن دخلت مسجداً فيه قبر، أن لا تصلي فيه، لأن هذا حرام، وصاحبه متوعد باللعنة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نص أهل العلم على أن المسلم لو لم يكن في بلدته إلا مسجد واحد، وهذا المسجد فيه قبر، فإن عليه أن يصلى في بيته، ولا يصلي في المسجد، حتى قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ومن صلى في المساجد التي فيها القبور فصلاته باطلة وعليه الإعادة".
*ولا يجوز الدعاء عند قبرِ أيِّ أحد كان، ولو كان نبيّاً أو وليّاً، ظناً منه أن الدعاء عند قبره مبارك، فهذا منكر شنيع لا يجوز لمسلم عاقل أن يفعله.
*أما من دعا صاحب القبر لجلب نفع أو دفع ضر، فهذا ليس من الله في شيء، بل هو مشرك خارج من ملة الإسلام، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، وأن يجعنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
25/11/1425هـ
-
الجمعة AM 02:55
2009-09-11 - 3924