عرض المادة
خطبة جامعة ليوم العيد
2014-07-26
خطبةٌ جامعةٌ ليوم العيد
الحمد لله الذي سهل للعباد طريق العبادة ويسر، وأفاض عليهم من خزائن جوده التي لا تحصر، وجعل لهم عيدًا يعود في كل عام ويتكرر، ونقاهم به من درن الذنوب وطهَّر، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصر، وأشكره وهو المستحق لأن يحمد ويشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فقدَّر، ودبَّر فيسَّر، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صاحب اللِّواء والكوثر، الذي نُصِر بالرعب مسيرة شهر، وغُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخَّر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما لاح هلال وأنور، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، أيها المسلمون:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، فهي وصيةُ الله تعالى للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}.
وعلى المسلمِ ما دام في دارِ الإمهال أنْ يتزودَ من الأعمال الصالحة، فهاهي الأيامُ تُطوى، والمرءُ يقطع المرحلَةَ تلوَ المرحلةِ، ليصل إلى منتهى أجله وانقطاعِ أمله.
والعاقلُ الفطنُ هو الذي لا يغترُّ بعيشٍ، ولا يفرح ببقاء، لعلمه أنه في دارِ امتحانٍ واختبار، يوشك أن يتحوَّل عنها، فيلاقي ما قدَّم من عمله، قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الدنيا حلوة خضرة، وإنَّ الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإنَّ أول فتنةِ بني إسرائيل كانت في النساء).
فعلى المرء أن يلزم العمل الصالح ما استطاع، ويستعد بأعظم عدَّة، ويتزود بأبلغ حجة.
عباد الله:
عليكم بالتمسك برأس الأمر وعماده، والذي لا يصحُّ عملُ المرءِ إلا به، وهو توحيد الله وإفراده بالعبادة، فإنه ما خُلِقت الخليقة، وأُرسلت الرسل، وسُلَّ السيف، وقام سوقُ الجنة والنار، إلا من أجل تحقيق هذه الغاية، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).
وعليكم بالحذر من الشرك وأسبابه، فإنه بابٌ خطير، وقائدٌ إلى غضب الله وأليم عقابه، وسببٌ إلى الخلود في نار جهنم، فلا يصح معه عمل، ولا تنفع معه طاعة، قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.
فالواجب على العبد أن يوحِّد الله في عبادته، ولا يصرف شيئًا من ذلك لغير الله، فلا ينذر ولا يذبح ولا يرغب ولا يرهب ولا يدعو إلا الله تعالى.
وعليه أن يحذر من الذهاب إلى الكهنة والعرافين أو أنْ يتعاطى السحر, أو يعلِّق الحروز والتمائم والجوامع, فإنه إنْ فعل ذلك فقد أشرك بالله تعالى, وعاد أمره إلى خسران، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين}.
عباد الله:
عليكم بتعظيمِ سنة المصطفى في قلوبكم حتى وإن قَصَّرتم بالاتباع في ظاهركم، واعلموا أنَّ كل طريقٍ إلى الله مسدود إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم, قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أوتيت القرآنَ ومثله معه).
فإياكم وردَّ سنة النبي ج إذا بلغتكم, ولا تقدموا عليها رأيًا ولا عقلًا ولا قول أحدٍ كائنًا من كان, واعملوا أنكم ستُسألون في قبوركم عن هذا النبي المبارك صلى الله عليه وسلم، فاحذروا من مخالفة أمره, فإنَّ ذلك من أسباب الردى, قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
واعلموا أن هذا الدين العظيم إنما يقوم على أمرين: إفراد الله تعالى بالعبادة، وإفراد النبي ج بالمتابعة.
حافظوا على الصلوات المكتوبات, فإنه لاحظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة, ومن تركها فهو مُتَوعَّد بالعذاب الأليم والخسران المبين، قال تعالى عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).
وحافظوا على أوقاتها التي جاءت مبيَّنة في الأدلة الشرعية, فإنَّ للصلاة وقتًا محددًا، إذا تقدمت عليه لم تقبل, وإذا تأخرت عنه لم تقبل.
واعلموا أن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته, فإنْ صلحت صلح سائر عمله, وإن فسدت فسد سائر عمله.
والصلاة من أسباب تكفير الذنوب, قال صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).
فنحمد الله على فضله إذ فتح لنا أبوابَ الخير لنتزود من الأجور.
أدُّوا زكاة أموالكم، فإنَّ الزكاة ركنٌ من أركان الإسلام, وقد قُرِنت بالصلاة في كتاب الله في سبعين موضعًا, وهي نماءٌ للمال وبركةٌ وتطهيرٌ، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}.
فمن كان لديه مالٌ أو تجارةٌ أو ماشيةٌ سائمة فليؤدِّ زكاتها, وليحذر من منع الزكاة, فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ}.
وعلى المستطيع أن يبادر بالحج إلى بيت الله الحرام, فإنه فرضٌ واجب، وركن من أركان الإسلام, قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
فمن توفرت لديه القدرة الجسدية والمالية، فلا يجوز له أن يؤخر الحج, وعليه أن يبادر بقضاءِ فرضه, فإنه لا يدري ما سيعرض له.
عليكم بالكسب الطيب الحلال, واحذروا من المال الحرام، فإنه قائد لكل شرٍّ, وسببٌ إلى زوال النعم, سواء كان عن طريق تجارة محرمة أو معاملات ربوية، قال صلى الله عليه وسلم: (أيما جسد نَبَت من سحت فالنار أولى به)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكلَ الربا وموكِلَه وكاتبَه وشاهديه، وقال: هم سواء).
فلا يأخذ المرء الطمع, فإنما المسألة في البركة, فمن بارك الله فيما عنده نما وتكاثر وإن كان قليلًا, ومن مُحِقَت بركةُ ما عنده قلَّ نفعه، وحلت بصاحبه النكبات، والمصائب والآفات, قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَات}.
وإنما المفلس حقيقةً من باع آجلًا لا يفنى في جنات الخلد, ببخسٍ معجلٍ لعله يموت قبل أن ينتفع به.
عليكم ببرِّ الوالدين فإنه بابٌ إلى جنات النعيم, ولا يقدر عليه إلا عظماءُ النفوس كبارُ الهمم، قال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة)، وقال صلى الله عليه وسلم عن الوالدة: (الزم رجلها فثمَّ الجنة).
ولا يكن مفهومنا للبِرِّ مقصورًا على توفير الطعام والشراب, إنما هو في المؤانسة والملاطفة, والمصاحبة بالمعروف، فإنَّ بعض الناس يتعامل مع والديه إذا كانوا عنده وكأنهم ضيوفٌ ثقلاءُ, لا يتكلم معهم ولا يؤانسهم, بل وتجده ينتظر ساعةَ فراقِهم وكأنهم حمل ثقيل، فإذا جاءته زوجتُه أو أبناؤه علَتْه ابتسامةٌ، وتفتحت أساريرُ وجهه.
إنَّ منتهى اللؤمِ أن يتنكرَ المرءُ لوالديه حين تضعُف قواهم، ويحتاجون إلى إشباعِ عواطفهم، فلا يجدون ذلك، فيعيشون في بيت الابن وكأنهم مساجين, لا يُشاوَرون ولا يُؤتَمرون, أيامهم متشابهةٌ، وأوقاتهم قاتلة, يتمنون الموت ولا يجدونه.
فالحذرَ الحذرَ من العقوق, قال صلى الله عليه وسلم: (بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق).
لقد كنتَ صغيرًا فآووك, فلما احتاجوك وقد خارت القُوى فلا تكن خائنًا للمعروف، فلا ترفع عليهم صوتًا، ولا تتململ، ولا تتأفف، فقد تحمَّلوا عنك في صغرك ما لا طاقة لأحدٍ به..
وأمُّك كم باتت بثُقلك تشتكي
تواصلُ مما شقها البؤسَ والغمَّا
وفي الوضع كم عانت وحين فطامها
مذيبًا يشقُّ الجلدَ واللحمَ والعظمَا
وكم سهرت وَجدًا عليك جفونها
وأكبادُها لهفًا بجمر الأسى تَحمَى
وكم غسَّلت عنك الأذى بيمينها
حُنُوًّا وإشفاقا وأكثرت الضَّمَّا
فضيعتها لما أسنَّت جهالةً
وضقت بها ذرعًا وذوَّقتها سُمَّا
ونمت قريرَ العين ريَّان ناعمًا
مُكِبًّا على اللذات لا تسمع اللومَا
وأمُّك في جوعٍ شديدٍ وغربةٍ
تلين لها مما بها الصخرة الصمَّا
أهذا جَزاها بعد طول عنائها
لأنت لذو جهلٍ وأنت إذن أعمَى
احتسبوا الأجر في بركم بوالديكم, ولا يكن الدافع لكم مخافة العيب, فإنَّ بعض الناس لولا العيبُ لأخرج والديه من بيته, فلما لم يفعل، عامَلَهم معاملة السَّجَّان الظالم، يدخل عليهم صامتًا مغضبًا، ويخرج متأففًا, قد نسي ما فعلوه له في سالف أيامه.
غذوتك مولودًا وعِلْتُك يافعًا
تعلُّ بما أجني عليك وتنهلُ
إذا ليلةٌ ضامتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهرًا أتململُ
كأني أنا المطروقُ دونك بالذي
طُرِقت به دوني فعينيَ تهملُ
تخاف الرَّدى نفسي عليك وإنها
لتعلم أنَّ الموت وقتٌ مؤجَّلُ
فلما بلغتَ السنَّ والغايةَ التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤملُ
جعلت جزائي غلظة وفظاظةً
كأنك أنت المنعم المتفضلُ
فليتك إذ لَمْ ترْعَ حقَّ أبوتي
فعلت كما الجارُ المصاحب يفعلُ
فأوليتني حقَّ الجوارِ ولم تكن
عليَّ بمالٍ دون مــالك تَبخلُ
اتقوا الله في أولادكم, عاملوهم بالحسنى، برُّوهم وقتَ حاجتهم إليكم، حتى يبروكم وقت حاجتكم إليهم.
تودَّدوا إليهم بالكلام اللين اللطيف, ابتعدوا عن الإهانات وإلغاء الآدمية, أعطوهم فرصةً لتحقيق ذاتهم حتى تستطيعوا أن تعتمدوا عليهم, وعليكم بإشباعهم عاطفيًّا لاسيما البنات.
لا تكن المرأة خراجةً ولَّاجة, والوالدُ غارقًا في ملذاته, فيفتقدهم أبناؤهم, وإذا بحثوا عنهم لم يجدوهم, فيفتح لهم أصحاب السوء أكفَّ الخديعة فيحتضنونهم على فُرُش الضياع.
قوِّموهم على الصلاح، واعلموا أنَّ عامة فساد الأبناء إنما يكون من قبل الآباء, ومَن أهمل تربية ابنه صغيرًا لم ينتفع به كبيرًا.
كونوا وسطًا في التربية، حزمٌ برحمةٍ، وعطاءٌ باعتدال, فليس الإحسان بالترف حتى يتشبه الولد بالأنثى، وتكون البنت مسترجلة.
واعلم أنَّ هذا الابن إنما هو انعكاسُ شخصك، فكيف تريد أن تكون أنت؟!
درِّب ولدك على أن يكون رجلَ البيت، فإنك لا تدري متى تحتاج إليه, وإياك أن تكسر شخصيته أمام أخواته, فإنَّ هذا من أكبر فساد البيوت.
احذروا من التفريق بين الأبناء في المعاملة, فإنَّ هذا من أعظم أسباب القطيعة والشحناء التي يزرعها الوالد الظالم، ويجنيها الأبناء من بعده.
استوصوا بأخَواتكم وإخوانكم خيرًا, فإنَّ الأخ عدةٌ عند الحاجة والشدة, كما قال القائل:
أخاك أخاك إنَّ مَن لا أخا له
كساعٍ إلى الهيجا بغيرِ سلاحِ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بَرَّ أمَّك وأباك, وأختك وأخاك, ثم أدناك أدناك).
فعلى الرجل الكريم أن يُجلَّ أشقَّاءه وإخوانه, وأن يكون عونًا لهم على حوادث الزمان وتقلباته.
فقد يرحل والداك عن الدنيا فتحتاج إليك أخواتُك ليجتمعن في بيتك, ليجمعن شتات أفكارهن, وحزين مشاعرهِنَّ, فلا تَضِقْ بهن ذرعًا وكأنهنَّ سيأخذن من مالك, ولا تترك لزوجتك مجالًا أن تذكرهن بكلمة, والأجمل أن تعرف امرأتُك أنَّ مفتاح قلبك هو أخواتك, وسترى مع الأيام كيف تجتمع لك السعادة, وترى بركة ذلك في أبنائك.
وقد تأتيك أخيَّتُك مطلقةً، فلا تستثقل وجودَها في بيتك، أو تذلها، أو تجعلها خادمةً لزوجك وأبنائك، فإنَّ هذا ليس من شيمِ الكرام, وعليك بالوفاءِ، فإنه ما اتصف به إلا شريفٌ، وإن كان وجوده عزيزًا..
اشدد يديك بمن بَلَوْت وفاءه
إن الوفاءَ من الرجال عزيزُ
استوصوا بالنساء خيرًا فإنهنَّ أسيراتٌ عندكم، فمن كان له زوجةٌ فليكرمها, ولْيعاشرها بالمعروف والحسنى، وليعاملها كما يحب أنْ يعامل زوجُ ابنتِه ابنتَه، فلا يعتدي عليها بالفحش من الأقوال والأفعال، ولا يكسر شخصيتها أمامَ أولاده، لأنها هي التي تربي وتقوم على خدمتهم على الحقيقة، ولا يكلفها ما لا تطيق من نفقاتِ البيت، فإنَّ النفقة واجبةٌ على الزوج, ولا يعاملها وكأنها أجيرٌ مستهلَك, تتنقل بأولادها بين المدارس والأسواق والمستشفيات, وهو لا شغلَ له غير التسكع في المجالس الملهية، فإنَّ هذا ليس من إحسان العشرة، وسبيلٌ إلى سقوط الهيبة, وهو الذي جعل كثيرًا من النساء تتعامل مع زوجها بنديَّة وكأنها رجلٌ لرجل، فضلًا عمن يعمَد إلى أخذِ القروض باسمها وكأنها شركة تدرُّ عليه أرباحًا، وهذا مما يجعل الحياةَ جافة مادية.
تجنَّبوا فضولَ الكلام، فإنَّ اللسانَ كالسَّبُع العقور، إنْ لم توثِقْه عدا عليك فقتلك.
واحذروا آفاتِ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب, فإنها من كبائر الذنوب, فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم).
ومرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين يعذَّبان فقال: (أمَّا الأول فكان لا يستتر من بوله, وأمَّا الآخر فكان يمشي بالنميمة).
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يعذَّب في قبره، يُشرشَرُ شدقُه إلى قفاه, ومنخرُه إلى قفاه, فسأل عنه، فقيل له: (هذا الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق).
فاحذروا آفات اللسان, وعليكم بقلة الكلام إلا كلامًا بخير, قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).
وعليكم برحمة الخلق من الإنس والحيوان, والإحسان إلى الضعيف, ومعرفة حقوق الجار، ونصرة المظلوم، وفكِّ كربة المكروب مَن تعرف منهم ومن لا تعرف, فإنَّ هذه من الأخلاق التي دلت عليها الشريعة، وحثَّت على التحلي بها.
وعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله بفعل الطاعات واجتناب المعاصي, قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر النساء، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار).
ولْتحذر أن تقتحم أبواب الفتن والشبهات, فقد كثرت أسباب الفساد, فإن لم تحذرها فحريٌّ بها أن تقع فيها، فقد غزانا أهلُ الشرِّ والانحراف, ولم يجدوا بابًا إذا اخترقوه فتحوا بعده أبوابَ الشر، وهدمت حصون الفضيلة، كالمرأة, فوجَّهوا سهامهم نحوها، وكادوا لها بكل سبيل.
فقد تسللوا إلى لباس المرأة بالحيل والألاعيب، حتى جعلوه اسمًا على غير مسمى، ودخلوا عليها باسم التجميل حتى غيَّرت خلق الله الحسن لغير ضرورة ولا حاجة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، المتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله).
وفتحوا لها أبواب الاختلاط بالرجال حتى عادت المرأةُ رجلًا في ثوب امرأة, وفُتِحت عليها أبواب الفساد..
وأكثر ما يكون الشوقُ يومًا
إذا دنت الديارُ من الديارِ
وعلى المرأة الصالحة أن تحذر كلَّ الحذر أن تعود وضيعةً بعد رفعتها، وذليلةً بعد عزها، وذلك باقتحامها أسوار الفضيلة, والرضا لنفسها أن تكون سلعةً تُقلِّبُها الأيدي العابثة بالمعاكسات أو الخيانة وسلوك الفاحشة.
وعلى المرأة الصالحة أن تتقي الله في زوجِها، وأن تعلم أن طاعته في غير معصية قربةٌ إلى الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد, لأمرت المرأةَ أن تسجد لزوجها)، وقال صلى الله عليه وسلم لامرأةٍ يوصيها بزوجها: (هو جنتك ونارك).
وعليها أن تتقي الله في أبنائها, فإنما قوامُ أخلاق الأبناء على أيدي الأمهات.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى، ومعلم الناس الخير, محمدٍ المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.