عرض المادة
أحكام المسح على الخفين
2010-01-01
أحكام المسح على الخفين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً).
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) .
أما بعد:
فنحمد الله تعالى على ما امتن به على هذه الأمة من تيسير الشريعة واختصاصِها بذلك من بينِ الشرائع والأمم بكونها سمحة ميسرة؛ قال الله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج )؛ وقال r :« بعثت بالحنيفية السمحة » .
ومما خص الله سبحانه به هذه الأمة من التيسير أن شرع لهم المسح على الخفين لحاجة الناس لهذه العبادة لا سيما في حال البرد؛ فشرع لهم سبحانه ما يناسب ضعفهم وفقرهم إليه, فنحمد الله على فضله وتيسيره .
والمسح على الخفين زيادة على أنه رخصة من الله, فهو عبادة مشروعة وسنة موروثة عن خير الورى وإمام الهدى محمدr؛ فينبغي للعبد مع أخذه بهذه الرخصة المهداة إليه, أن يستشعر كونها عبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ متبعاً بذلك سنة نبيِّه ومتبوعه r .
وجواز المسح على الخفين ثابتٌ بإجماع أهل السنة والجماعة؛ وفيه مخالفة لأهل البدع الذين ردُّوا ذلك, ومن أجل ذلك فقد أورده بعضُ أئمة السلف في كتب العقائد وذكروا مشروعيته لكونه من المسائل التي خالف بها أهل السنة طوائف من أهل البدع الزائغين عن الهدى؛ الرادِّين للحق من غير حجة واضحة ولا دليل بّين .
والخفُّ هو ما يُلبس على الرِّجل من الجلود؛ ويَلحَق به ما شابهه من الجوارب ونحوها, فيثبت لها ما ثبت للخفين من أحكام .
ولجواز المسح على الخفين شروطٌ وأحكامٌ يجب على المسلم أن يمتثلها حتى يكون مأذوناً له بالمسح على خُفيه عوضاً عن غسل قدميه حال وضوئه .
ومن جملة الأحكام المبيحة للمسح على الخفين والجوارب أن تُلبس بعد كمال الطهارة؛ فعن المغيرة بن شعبة t قال: « كنت مع النبي r فتوضأ, فأهويت لأنزع خُفَّيه, فقال: « دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما » .
ويكون المسح على الخفين في الحدث الأصغر لا الأكبر, والحدث الأصغر هو ما أوجب الوضوء كالغائط والبول والريح, والحدث الأكبر ما أوجب الغُسل كالجماع, فعن صفوان بن عسال t قال: « كان رسول اللهr يأمرنا إذا كنّا سفراً أنْ لا ننزعَ خفافنا ثلاثة أيام ولياليَهن إلا من جنابة, ولكن من غائط وبول ونوم » .
وأما المدة التي يجوز فيها للمتوضئ أن يمسح على خفيه فهي يومٌ وليلةٌ للمقيم وثلاثةُ أيامٍ بلياليَهُن للمسافر فعن عليٍّ t قال: « جعل النبي r ثلاثة أيامٍ ولياليهن للمسافر, ويوماً وليلةً للمقيم - يعني: في المسح على الخفين » .
ولو مسح المسلم على خُفَّيه في السفر ثم أقام؛ فإنه يُتِمُّ مسح مقيم إن بقي من المدة شيء, وإن مَسَح في إقامته ثم سافر قبل أن تنتهي مدة الإقامة فإنه يتمُّ مسحَ مسافر لوجود السبب الذي يستبيح به هذه المدة .
ويبدأُ حساب مدة المسح من أول مسح بعد الحدث؛ وذلك أن النبي r قد علق الحكم بالمسح فقال: «يمسح المسافر» .
ولو مسح المسلم على خفِّه أو جوربِه ثم احتاج أن يلبسَ خُفّاً آخر أو جورباً, فلا بأس أن يمسح على الأعلى منهما ما دامت المدةُ باقيةً ولا يحتاج إلى خلعه, ولكن تحسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني .
وأما كيفية المسح فإنه يمسح ظاهر قدميه؛ فيبدأ من أصابع رجله حتى يشرع في ساقه ولا يمسح أسفل القدم, قال علي t: « لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه, وقد رأيت رسول الله r يمسح على ظاهر خفيه ».
عباد الله :
ومن الأحكام المهمة التي يجب معرفتها في هذا الباب؛ جواز المسح على الجورب الشفّاف الذي يصف البشرة لأنه ساترٌ لمحل الفرض, وكون البشرة تُرى من ورائه فإن ذلك لا يضر, وليس في سنة النبي r ما يدلّ على اشتراط ستر الرِّجل بخفٍّ أو جوربٍ ثقيل لا تُرى من ورائه البشرة .
كما يجوز المسح على الخف المخرَّق, فإن كثيراً من الصحابة كانوا فقراءَ؛ وغالبُ الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق, فإذا كان ذلك الحال هو الغالب من قومٍ في عهد النبي r ولم ينبِّه عليه r؛ دلَّ ذلك على أنَّ المسح عليه جائز. كما ينبغي أن يُعلم أنَّ من كان على طهارة وانتهت مدة المسح المأذونِ له بها أنَّ طهارته لا تبطل بذلك؛ فالنبي r إنما وقَّت مدة المسح ليُعرف بذلك انتهاءُ مدة المسح لا انتهاء الطهارة, ولذا فيصح أنه إذا تمت المدة والإنسان على طهارة أن طهارته لا تبطل بمجرد انتهاء المدة, ولا دليلَ على ذلك من سنةِ النبيr .
كما أنها لا تبطل طهارة من خَلَع خفيه بمجرد الخلع؛ لكنْ لو أنه مسح عليه ثم خَلَعه ثم عاد ولبسه فإنه لا يجوز له أن يمسح عليه بل الواجب أن يتوضأ ويغسل قدميه؛ لأنَّ لُبْسَه له لم يكن من وضوء ولكنْ من مسح.
ومن الأحكام الميسَّرة في هذا الباب جوازُ المسح على اللِّفافة إذا كانت تستوعب القدم, بل إنَّ صاحبها أحوج إلى المسح عليها أكثر من الخفين, وقد جاء في حديث ثوبان قال: « بعث رسول الله r سريةً فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين »؛ وفي ذلك جوازُ المسح على اللِّفافة لأنه يحصل بها التسخين؛ والغرضُ الذي من أجله تُلبَس الخفاف موجودٌ في لبس اللِّفافة .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ عباد الله:
فاعلموا أن مشروعيةَ المسح على الخفين والجوربين رخصةٌ من الله تعالى امتن بها على من شاء من عباده؛ لا تُختَص بفصلٍ دون فصل أو مناخٍ دون مناخ, فيجوز استعمالُ هذه الرخص1ة لمن لبس الخفين مطلقاً سواء كان الجو حارّاً أم بارداً, صيفاً أو شتاءً, ولا يُفَرَّق في هذا الحكم بين جنسٍ دون جنس؛ فهو شاملٌ للرجال والنساء .
كما أن من الأحكام المهمة في هذا الباب؛ معرفة أن المسح على الخف والجورب لمن لَبِسَه أفضل من خلعه لغسل القدم, لأنَّ في المسح إقامةً للسنة النبويَّةِ وأخذاً بالرخصة؛ وقد جاء في حديث النبي r أنه قال: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه» .
فهذه صدقة تصدق الله بها عليكم يا عباد الله؛ فاقبلوا صدقته واحمدوه على بِرِّه ولطفه وإحسانه ورحمتِه بكم مع غناه عنكم .
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين؛ وأن يجعلنا هداة مهتدين .
17/12/1430هـ ؛ 4/12/2009م .