عرض المادة
من أحكام الطلاق
2009-10-20
من أحكام الطلاق
لا شك أنه من المقرر المعلوم لدى العقلاء أن الزواج من أعظم أسباب العفة والبعد عن الحرام, و قد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:« يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج », كما أن الزواج سبب لهدوء الأنفس وإطفاء نار الغريزة المركبة في بني البشر, ووسيلة إلى السعادة والطمأنينة والراحة والدعة؛ قال الله تعالى : « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون » .
ومما لا بد أن يعلمه الرجل البصير أنه مهما حاول أن تكون المرأة على وفق ما يريد؛ فإنها لن تستقيم له على حال أبداً, و هذا أمرٌ جبلت عليه المرأة, ولكن الأهم أنْ لا يكون ما فيها من النقص و الخلل في أمر دينها؛ فإن هذا أمر لا بد أن يحملها الرجل عليه وأن يقوّمها على التمسك به, أما في أمور الدنيا فإنه لا بد وأن يكون عند المرأة نقص في بعض الجوانب, قال صلى الله عليه وسلم: «إن المرأة خلقت من ضلع, وإن أعوج ما في الضلع أعلاه, فإن ذهَبْتَ تقيمُه كسرته, وإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عوج, فاستوصوا بالنساء » .
و قد جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم : « فإن ذهبت تقيمه كسرته و كسرها طلاقها » .
ففي هذا الحديث العظيم الوصية بالمرأة, وأنها لن تستقيم للرجل على طريقة, فالواجب عليه أن يرحمها ويحسن معاشرتها وأن يستوصي بها خيراً؛ فيقبل إحسانها, ويحسن معاملتها فيما كان منها من نقص وخلل .
كما أن في الحديث بياناً على أن العوج موجود فيها ولا بد, وأن إقامة العوج فيها كمحاولة إقامته في الضلع فإنه يؤدي إلى الكسر, كما أن فيه إشارة أيضاً إلى أن العوج كما أنه في أعلى الضلع؛ فكذلك العوج في أعلى المرأة وهو اللسان؛ نظراً لما جبلت عليه؛ ولذلك فقد أوصى بها خيراً أرحم الخلق بالخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
و بما أن النقص والخلل موجود في المرأة, فإنه وفي هذه الحياة الطويلة لا بد أن يحدث منها شيء من التقصير في حق الزوج يصل إلى درجة العصيان والخروج عن أمره؛ فما هو العلاج في مثل هذه الحال؟
لقد بين لنا الشرع المطهر قواعد مهمة لو عمل بها المرء حين تعامله مع زوجته فيما لو خرجت عن طاعته, لاستقام له الحال وحمد عاقبة فعله؛ قال الله عز وجل: « واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياًً كبيراً ».
في هذه الآية أسس التعامل مع الزوجة حين تترفع على زوجها وتخرج عن طاعته, وذلك بأن يبدأ بوعظها وتذكيرها؛ فيذكرها بحق الزوج وما أوجب الله عليها من طاعته, وأن يستدرجها بحلو الكلام وجميل المنطق, ولا ييأس من كثرة وعظها؛ لأن المرأة كثيرة النسيان وربما ينبهها الزوج على الشيء الواحد مرات عديدة فترجع إلى تكرار نفس الخطأ, فإن لم ينفع الوعظ وقد ذئرت على زوجها وترفعت عليه؛ فإنه ينتقل إلى الخطوة الأخرى وهي الهجر في المضجع, فيهجر فراشها, قال بعض السلف: ينام على فراشه ويوليها ظهره فإنه شديد عليها.
وقد بينت السنة النبوية أن الهجران لا يكون إلا في المنزل لذا قال صلى الله عليه وسلم: « ولا تهجر إلا في المضجع »؛ فيثقل عليها حتى ترتدع وتحس بفداحة ما فعلته, والهجر من الأمور الشاقة على المرأة التي تؤدي ارتداعها ورجوعها إلى مصالحة زوجها.
فإذا عمل بهذه الخطوات ولم ترتدع؛ انتقل إلى العلاج الثالث وهو الضرب, وهذا الضرب يكون ضرباً خفيفاً غير مبرح؛ فلا يضربها ضرباً شديداً يؤدي إلى إحداث علامات في جسمها أو يضرُّها بأية صورة؛ وقد جاءت السنة بذلك؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «فليضربها ضرباً غير مبرح » .
وما ذلك إلا لأن ألم الضرب النفسي أكثر من الجسدي, وليس كثرة الضرب تؤدي إلى هيبة الزوج ورجوع المرأة عن الخطأ, فكم من النساء مَن تُضرب ضرباً مبرحاً ولا تزال على ما هي عليه من الخطأ.
و ليتنبه المسلم أنه إن عمل بهذه الخطوات واستقامت المرأة على ما يريد وتركت الخطأ, فلا يبغي عليها بعد ذلك أو يظلمها أو يعيرها بما ارتكبته من الخطأ في حقه, أو أنه يحاول أن يتحين الفرص من أجل تلمس عثراتها ليعاقبها على ما ارتكبت في سالف الأيام؛ ولذلك قال الله تعالى: « فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً » .
فهو سبحانه له تمام العلو؛ فإن تذكرت علوك على هذه الزوجة فتذكر علو الله عليك, الذي إن شاء اقتص لها من ظُلمِك إياها .
فإن عمل المرء بهذه الخطوات, و لم تستقم المرأة له على حال وأعياه أمرها؛ فقد بين الله تعالى لنا علاجاً آخر ينتقل إليه الزوج لإصلاح أخلاق زوجته إذا خُشي الشقاق بينهما؛ فقال تعالى: «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما »، ففي حال وقوع الشقاق ينتدِب الرجل حَكَماً عاقلاً من أهله؛ وتنتدب المرأة حكماً عاقلاً من أهلها؛ فيجتمعان ويريان مواقع الخطأ فيهما؛ ويحاولان إصلاح ما وقع من الزلل, ولينتبه إلى أن الحكم لا بد أن يكون عاقلاً يقصد الإصلاح ولمّ الشمل بين الزوجين؛ ويحذر من إفساد العلاقة بينهما لأن هذا من الإثم العظيم قال صلى الله عليه و سلم: « ليس منا من خبب امرأة على زوجها » ؛ والتخبيب هو الإفساد, فإن بعض الناس إذا تدخل بين الزوجين يتصرف بحمق وعناد؛ فلربما اضطر الزوجَ إلى طلاق زوجته فتفرقت الأسرة وتشتت الأبناء .
و هنا أنبه أن بعض الآباء إذا جاءته ابنته شاكيةً زوجها؛ أخذ بكل ما سمعه منها دون استثناء وتعقّل وصدَّقها في كل ما تقول؛ وهذا خطأ, لأن المرء في العادة لا يذكر إلا ماله ولا يذكر ما عليه؛ ومن أحسن الوسائل العلاجية أنَّ المرء إذا جاءته ابنته تشتكي زوجها؛ أن يجمعها به ويأمرها بالحديث أمامه ليسمع وجهة نظره, فلربما تكون هي الباغية الظالمة, و لكنها سبقته بالشكوى إلى أهلها, فحديثها بحضرته يجعلها بعيدة عن المبالغة بالشيء .
وليكن الولي عاقلاً وهمّه الإصلاح والبعد عن مواطن الشقاق, فلا يدقق على كلّ ما يسمع؛ ولْيُعرِض عن بعض الأمور التي ليس من شأنها أن تضر بالحياة الزوجية ولا تمنع استمرارها, فهذا منتهى الحكمة .
فإن وصل الزوج إلى حقيقة متيقنة مؤكدة وهي أنه لا سبيل إلى الإصلاح فإنه ينتقل إلى العلاج الأخير و هو الطلاق, قال تعالى:«وإن يتفرقا يُغْنِ الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً » .
والطلاق هو العلاج الأخير للمشاكل الزوجية, و لكن مع الأسف الشديد فإن بعض الناس يجعله الحل الأول دائماً؛ وهذا خطأ بالغ, خصوصاً أن بعض الناس يُقدمُ عليه في أول حياته الزوجية وقبل تمرسه في قيادة مركب الزواج الذي يحتاج إلى طول أمد للتبصر به والصبر على ما يكون فيه .
فإذا أراد الرجل أن يطلِّق المرأة؛ فلا بد أن يعلم جملة من الآداب والأحكام وهي :
أنه لا يجوز للزوج إن طلق امرأته أن يسترد شيئاً من مهرها, قال الله تعالى:« وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً و إثماً مبيناً * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً » .
كما أنه لا يجوز له أن يعضل المرأة ويضار بها حتى تفتدى نفسها منه بأن تعطيه مهره أو شيئاً منه؛ قال تعالى: « ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن إلا يأتين بفاحشة مبينة ».
فلا يجوز للزوج أن يقدم على هذا الفعل المشين إذا لم يكن بالزوجة بأس؛ بل إنه يطلقها ولا يأخذ من مهرها شيئاً ويغنيه الله تعالى .
أما إن كانت الزوجة كارهة للزوج وليس في أخلاقه بأس؛ فإنه لا بأس أن تفتدي منه بمهرها أو شيء منه وتخالعه على ذلك, قال تعالى:« و لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا أنْ لا يقيما حدود الله فإن خفتم أنْ لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ».
ولا بأس أن يقبل بأخذ العوض منها ويفارقها على ذلك, وهنا لا بد من التنبيه إلى أن بعض النساء إذا كرهت الزوج وأرادت الاحتيال عليه بأخذ المهر؛ ذهبت إلى المحكمة ورفعت دعوى طلاق للضرر؛ ولفقت بعض الأوراق أو أنها تذكر بعض الأضرار التي لا تعتبر من الضرر عرفاً؛ فتحصل على الطلاق مع ظفرها بالمهر, وهذا أمر باطل, وحكم القاضي إنما هو على الظاهر ولكنه لا يغيِّر الحقيقة, فلينتبه إلى مثل ذلك التلاعب .
ومما يجب على الزوج إن طلق امرأته أن يعمل بالسنة؛ وهو أن يطلقها طلقة واحدة, ولا يجوز له أن يجمع الطلاق الثلاث بلفظ واحد كقوله: أنت طالق ثلاثاً؛ أو يقول: أنت طالق طالق طالق, فإن هذا لا يجوز قال تعالى:« الطلاق مرتان ».
فإذا طلقها الطلقة الأولى أو الثانية؛ فهذه طلقة رجعية فلا تخرج المرأة من بيتها إلى بيت أهلها؛ لأن له أن يراجعها في العدة؛ بل تبقى في بيتها؛ فلربما حنَّت نفسه إليها وراجعها إلى ذمته قال تعالى:« فلا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن».
كما أنه يجب عليه إن أراد طلاقها أن يطلقها وهي طاهر؛ في طهر لم يجامعها فيه؛ لأن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه يؤدي إلى طول العدة؛ وهذا مما يَضرُّ بها, فلما طلق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما امرأته و هي حائض؛ قال النبي صلى الله عليه و سلم:« مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر؛ ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك » .
فالطلاق في حال كون المرأة حائضاً أو في طهر جامعها فيه طلاق بدعي؛ ثم إن الطلاق في طهر جامعها فيه قد تكون المرأة حملت منه, و هذا يؤدي إلى سلبيات ومساوئ تتعلق في ذلك الحمل؛ فيندم على ما أقدم عليه .
ومن المستحسن للزوج إن طلق أن يطيَّب نفس المرأة بشيء وأن يعطيها مبلغاً من المال أو هدية؛ على حسب استطاعته؛ كما قال تعالى: « متاعاً بالمعروف حقاً على المتقين » ؛ فإن مثل ذلك دليل على التسريح بإحسان وشراء الخواطر, وعدم قطع العلاقات فيما يُستقبل من الأيام؛ لأن البعض ومع الأسف يتعامل مع الطلاق وكأنه حرب لا بد أن تتقطع بعدها الأواصر والعلاقات, وهذا خطأ؛ فإن الطلاق أمر كتبه الله عز و جل؛ فلا بد أن نرضى بقضاء الله, والواجب على الزوج احترام أهل الزوجة بعد الطلاق والعكس بالعكس, لا سيما إذا كان بينهما أولاد, والواجب على كلٍّ من الطرفين أنْ لا يذكر الآخر إلا بالجميل والذكر الحسن, لأن مسبة الأصهار من النقائص, والعيب الذي يمجّه الناس ويرفضونه؛ ويرون أن من تكلَّم بذلك إنما تكلم لتبرئة نفسه فيردّون كلامه وإن كان صادقاً فيما قال.
ومما يجب على المسلم الذي يخاف الله سواء كان زوجاً أو من أولياء الزوجة أنْ يتقيَ الله ويبعد الأبناء ويجعلهم بمنأى عما جرى بين الزوجين؛ فلا يحسن بزوجة أو أوليائها أن يمنعوا والداً من رؤية أبنائه, لأن هذا سيؤدي إلى تحطيم الأبناء نفسياً وأن ينشأوا بشخصيات مضطربة أو ربما إجرامية .
كما يجب على الزوج أن ينفق على أبنائه ما يكفيهم وأكثر؛ وأنْ لا يعاقب أبناءه بسبب والدتهم؛ لأن الولد بضعة من أبيه وأي نقص فيه يعد عيباً في والده .
هذا واعلموا أن السعيد من عمل بهدي الكتاب والسنة في هذا الباب وغيره, فإنه سيوفق إلى الصواب ولا شك .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم..
أقول ما سمعتم؛ وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ والعاقبة للمتقين؛ ولا عدوان إلا على الظالمين؛ والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمما يجب على المسلم أن يعلمه الحذر من العبث في الطلاق؛ فإن عاقبة ذلك الندم, ومآله الخسران, مع ما يترتب عليه من ضياع الأسرة وتشتت الشمل .
ومن أعظم العبث أن يطلق الرجل زوجته بدعوى المزاح أو الهزل؛ وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: « ثلاثٌ جدّهن جد؛ وهزلهن جد, النكاح والطلاق والرجعة » .
فمن طلق زوجته مازحاً أو هازلاً طلقت عليه كما لو كان جاداً؛ فالطلاق رباط دقيق وثيق لا يقبل الاستهزاء, ويستوي في حقه الجد والهزل؛ فتنبهوا لذلك رحمكم الله.
ومن صور العبث في الطلاق- والتي يقع بها الطلاق- ما يفعله بعض الأزواج من أن يكتب: «أنت طالق في ورقة» ويبعثها لزوجته, ويبرر ذلك أنه فعله من باب ممازحة الزوجة أو تخويفها, و مثل ذلك يقع به الطلاق ولا يغني عن الزوج دعواه بأنه فعل ذلك من باب المزاح وأنه لم ينو طلاق زوجته, لأن الطلاق لفظ صريح لا ينظر معه إلى النية .
ومثل ذلك في الحكم ما يفعله بعض الأزواج من أن يرسل أحدهم لزوجته رسالة عبر الهاتف الجوال يكتب فيها أنت طالق؛ وهذا مما يقع به الطلاق وتترتب عليه الأحكام.
هذا ومما ينبغي للعقلاء أن يفعلوه- سواء كان الزوج أو أولياء الزوجة- أن يتعاملوا مع الطلاق بأنه أمر قد كتبه الله تعالى وعليهم بالتسليم لقضاء الله وقدره, ولا يجعلوا هذه المسألة وكأنها نهاية العالم؛ أو أنها إعلان عن نشوب حرب لا تنتهي .
بل الواجب على الزوج إن أراد تطليق امرأته أن يضفي عليها كلمات المدح والثناء؛ وأن يبرر لها سبب طلاقه؛ لأن هذا الفعل من التسريح بإحسان؛ ويطيبَّ النفوس, خصوصاً إذا كان بينهما أولاد فإن الخصومات تعود على الأبناء بالضرر البالغ فينشأون وهم يحملون أحقاداً داخلية, وأرواحاً إجرامية.
كما أن الواجب على الزوج إن طلق امرأته وبينهما أولاد؛ أنْ لا يعاقب أولاده بجريرة أمهم إن كانت سيئة, بل الواجب عليه أن يغدق عليهم بالنفقة وأنْ لا يجعلهم يستشعرون النقص, لأنهم قطعة منه وإذا مّسهم الإقلال فهذا عيب ينسب إليه .
كما أن الواجب على المرأة وأوليائها أن لا يُدخلوا الأولاد في خصومتهم مع الزوج, فإن الأبناء لا ذنب لهم فيما حصل من الانفصال؛ فمن المحزن أن بعض الزوجات إذا طلقت منعت الزوج من رؤية أبنائه؛ وتجد ومع الأسف من يعينها على ذلك من الأولياء السفهاء؛ وهذا أمر لا يجوز, فبأي حق تمنع الوالد من رؤية أبنائه؟
أو أنها لا تزال تشوه سمعة والدهم حتى يبغضوه .
ولكن لتثق مثل هذه المرأة أن إرضاع الأبناء بالضغائن والأحقاد سيجعل قلوبهم قاسية, وسينالها نصيب عظيم مما سقته لهم إذا تقدموا في العمر, ولا سيما إذا كان الوالد بريئاً مما نسبته إليه من التهم, فإنه مظلوم وسينصره الله عز وجل .
وكم من ولد عاش في كنف أمه, فلما شب وكبر, ورأى معاملة أبيه الحسنة له, رجع إليه وهجرها, فتجرعت المرارة من نفس الكأس الذي سقته لطليقها .
و يا معشر العقلاء:
اعلموا أنَّ الخير كل الخير باتباع الأوامر الربانية, ولو عمل الناس بذلك لاستقامت لهم أحوالهم, وجماع ذلك في هذا الباب في قوله تعالى: « فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ».
وعلى المرأة على وجه الخصوص إذا طُلِّقت أن تكون عاقلة إلى أبعد حّد ولا تكثر الكلام في طليقها أو تفضحه فيما اطلعت عليه ولا يعلمه الناس؛ فلعل الله تعالى أن يعيد بينهما الوئام يوماً؛ بأن يحنن قلبه عليها فيراجعها سواء لأجلها أو لأجل أولاده؛ وإذا كانت تطمع بذلك فليس من العقل أن تفعل ما مِن شأنه أن يزيد الشقة بينهما؛ بحيث لا يمكن بعد ذلك أن يأتلفا.
نسأل الله تعالى أن يقيم بيوتنا على السعادة؛ وأن يجعلنا هداة مهتدين .