عرض المادة

الخوارج الوجه الآخر

9007 | الجمعة PM 12:18
2009-09-25

الخوارج الوجه الآخر

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد؛ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد :

فإن الأمة لما خالفت سبيل نبيها محمد r تمزقت أشلاءً؛ وتفرقت أحزاباً وفرقاً وطوائف متعددة؛ كل حزب بما لديهم فرحون.

وعلى افتراق الطوائف التي خرجت في هذه الأمة؛ وخالفت السبيل القويم؛ فإن الأمة الإسلامية لم تُبتل بطائفة كما ابتليت بطائفة الخوارج.

تلك الطائفة التي خرجت على جماعة المسلمين وإمامهم؛ وكان انتشارها وقوتها في زمن علي t؛وإن كان أصل خروجها ونشأتها قد حصل في زمن النبي r.

فما ابتليت أمة الإسلام بطائفة وفتنة؛ كما ابتليت بهذه الطائفة التي ابتعدت عن العلم؛ وتاهت في ظلمات الجهل؛ وتركت سبيل السنة وطريقة العلماء الربانيين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- تعليقا على قول النبي r في الخوارج: « شر قتلى تحت أديم السماء خير قتيل من قتلوه »-:  أي إنهم شر على المسلمين من غيرهم فإنهم لم يكن أحد شراً على المسلمين منهم؛ لا اليهود ولا النصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم؛ مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم؛ مكفرين لهم؛ وكانوا متدينين بذلك- أي يرون ذلك ديناً- لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة.

فهذا حال الخوارج الذين خرجوا على جماعة المسلمين؛ وهذا شيء من أوصافهم العديدة المتعددة.

وأصل هؤلاء الخوارج كان موجودا في زمن النبي r ؛ حيث إنه قد جاءته الغنائم في غزوة حنين فقسمها r ؛ وقد فضل أناساً من أمراء القبائل في الأعطيات من أجل مصلحة عظيمة رآها r وهي تأليفهم  على الإسلام، فجاءه رجل ناتئ الجبهة؛ عريض الوجنتين؛ فقال له :« يا محمد اعدل فإنك لم تعدل » .

يقول: اعدل؛ ويقول: يا محمد؛ لأنه رأى في نفسه أنه بلغ في العلم والتقى مبلغها حتى قال: اعدل يا محمد؛ وفي لفظ قال: « إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله »-كبرٌ وتعالم- فقال النبي r: « ألا تأمنوني وأنـا أمين من في السماء.؟!».

وقال r : « فمن يعدل إن لم أعدل؟؛خبتَ وخسرتَ إن لم أعدل»؛ فقال عمرt : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال : دعه؛ فلما ولى مدبراً قال r :« إن من ضئضىء هذا؛ قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم؛ يقتلون أهل الإسلام؛ ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من  الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد » .

إن من ضئضىء هذا : يعني  أصله؛ أي : إن هذا الأصل وسيأتي له فروع.

يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم:  أي:يقرؤونه من غير فقه؛ فيصل إلى هاهنا ويقف؛ وقيل: معناه لا ترتفع أجورُهم إلى السماء.

يمرقون من  الإسلام كما يمرق السهم من الرمية: كما يأتي السهم فيضرب الطائر من مكان فيخرج من مكان آخر؛ لا يأخذ من دمه ولا من ريشه شيئاً؛ وهذا دليل على قلة نصيبهم من الإسلام.

لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد : أي: قتلاً مستأصلاً كما قال الله I :( فهل ترى لهم من باقية ) .

وفي زمن عثمان t اجتمعوا من بلاد عديدة؛ وجاءوا قافلين حتى بلغوا المدينة، وخرجوا عليه؛ وقتلوهt والمصحف في يده، وركب خارجي على صدره؛ وطعنه بتسع طعنات؛ ثم قال: أما ثلاث فهي لله، وأما ستٌّ فلشيءٍ في نفسي عليه.

وهذا دليل على أنهم كانوا يريدون الدنيا.

 ثم خرجوا في وقت علي t؛ وكان خروج قادتهم للدنيا؛  وذلك أن الأشتر -وهو من الخوارج- كان يطمع أن يجعله عليٌّ أميراً على البصرة ؛ فجعل عليها عبد الله بن عباس ب؛ وعند ذلك خرجوا عن طاعته؛ وذهبوا إلى منطقة يقال لها حروراء-وهي بجانب الكوفة- واعتزلوا الناس؛ وبدأوا بالكلام وإثارة الناس على عليٍّ t باسم الدين ورفعِ شعار الورع والتنسك؛فقال لهم عليٌّ t: لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله؛ ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا؛ ولا نبدؤكم بقتال .

ثم مالوا إلى عبد الله بن خباب بن الأرت ابن صاحب رسول الله r ؛ وكان أميراً لعلي t؛ فجاءوا إليه وقتلوه وشقوا بطنَ أمِّ ولده؛عنفاً وقسوة في القتل؛ يقتلون مسلماً موحداً لأنه لم يكن سائرا على طريقتهم.

وهذا لِيُعلم أن النبي r لا ينطق عن الهوى حيث قال فيهم: يقتلون أهل الإسلام؛ ويدعون أهل الأوثان .

وقد حث النبي r على قتال الخوارج فقال :« سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان؛ سفهاء الأحلام؛ يقولون من خير قول البرية؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة » .

أحداث الأسنان : أي أنهم شباب صغار يتحمسون في مجلس؛ ويملؤهم رجل في كلام تهييجي؛ ثم يدفعهم لأعمال التخريب.

سفهاء الأحلام :  أي أن عقولهم صغيرة.

يقولون من خير قول البرية: أي أنهم إذا تكلموا؛ قلت: ليس هناك أبلغ من فلان؛ فإنهم أوتوا جدلاً ولحناً ؛(ولتعرفنهم في لحن القول) .

يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم: أي:يقرؤونه من غير فقه ولا إدراك.

كما أنهr قد وصفهم بوصف شديد؛ وسماهم شرَّ الخلق والخليقة؛ فقال:« إن بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم؛ يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرميَّة؛ ثم لا يعودون فيه؛ هم شر الخلق والخليقة » .

وخرجت خارجة من هؤلاء في الشام فقُتلوا وأُلقوا في بئر، فجاء أبو أمامةt صاحبُ رسول الله r حتى وقف عليهم؛ ثم بكى وقال :« سبحان الله ما فعل الشيطان بهذه الأمة؛ كلاب النار؛ كلاب النار؛ كلاب النار؛ شر قتلى تحت ظل السماء؛ خير قتلى تحت ظل السماء من قتلوه. قيل: يا أبا أمامة: أشيءٌ تقوله برأيك؛ أم شيءٌ سمعته من رسول الله r ؟

قال:إني إذا لجريء، بل سمعته من رسول الله r غير مرة؛ ولا مرتين؛ ولا ثلاثاً؛ حتى عد سبعاً » .

فوَصَفَهم النبي r بأنهم شر قتلى تحت أديم السماء؛ وسماهم كلابَ النار.

ووصْفُهُم بالكلاب؛ ذلك لأن الكلب لا يزال ينبح ويستهيج الناس حتى يدلَ

العدوَّ على قومه؛ أو لأنهم لا يزالون تقتيلاً في  المسلمين وتكفيراً؛ كمثل الكلب إذا جاع فإنه يرجع إلى ذنبه فيأكلَه.

وقد أكرم الله Iعلياً t بقتالهم؛ فأخبره النبي r  أنه يقاتلهم وأن آية ذلك أن فيهم رجلاً يده مقطوعة؛ وأن يده في مؤخرتها قطعةُ لحمٍ كحلمة الثدي، فقاتل علي t هؤلاء الخوارج؛ ثم بعد أن انتهى من قتالهم بعث من يبحث له عن هذه الصفة، فبحثوا فلم يجدوا شيئا؛ فرجعوا إلى علي وأخبروه فقال: ارجعوا؛ فوالله ما كذبْتُ وما كُذّبت-مرتين أو ثلاثا- فبحثوا حتى وجدوا ذلك الرجل على الصفة التي ذكرها له النبي r، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ وعند ذلك سُرّ أصحابه لِما رأوا من تصديق الخبر؛ وذلك أن بعضهم لما رأى اجتهادَ الخوارجِ في العبادة والصلاة وطول القيام؛ أخذته ريبة من أمرهم؛ كما حدث ذلك مع جندب tوقد كان مع جيش عليt.

يقول جندب t: لما كان يومُ قاتل عليٌّ t الخوارج ؛ نظرتُ إلى وجوههم والى شمائلهم فشككت في قتالهم؛( أي أنه لما رأى الناس يصلون ويبيتون قائمين يطيلون القيام استراب في أمرهم)، يقول t: فشككت في قتالهم فتنحيت عن العسكر؛ فنزلت عن دابتي وركزت درعي تحتي وعلقت ترسي ستراً من الشمس؛ وأنا معتزل العسكر ناحية؛ إذ طلع أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالبt على بغلة رسول الله r؛ فقلت في نفسي: مالي وماله؛ أنا أفر منه وهو يجيء إلىّ؟-يعني:أنه يودّ اعتزالَ هذا القتال-فقال لي: يا جندب مالَك في هذا المكان تنحيت عن العسكر؟ فقلت يا أمير المؤمنين: أصابني وعك فشق عليَّ الغبار فلم أستطع الوقوف، فقال:أما بلغك ما للعبد في غبار العسكر من الأجر؟؛ ثم ثنى رجله فنزل؛ فأخذت برأس دابته؛ وقعد فقعدتُ؛ فأخذتُ الترسَ بيدي فسترته من الشمس، فو الله إني لقاعد؛ إذ جاء فارس يركض فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم قد قطعوا الجسر ذاهبين؛ فالتفت إليّ وقال: إن مصارعهم دون النهر- لأن الذي اخبره بذلك هو الذي لا ينطق عن الهوى محمد r- ؛ وإن الذي أجده عنده واقف - يعني لا زال الرجل واقفا عنده-؛ إذ جاءه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين والله قد ابتعدوا فما بقي منهم أحد؛ قال: ويحك إن مصارعهم دون النهر، فجاء فارس يركض؛ فقال:يا أمير المؤمنين والذي بعث نبيه محمداً r  لقد رجعوا؛ ثم جاء الناس فقالوا:قد رجعوا حتى إنهم ليتساقطون في الماء.

(تأمل حماسهم إلى قتل أصحاب النبي r حتى إنهم ليتساقطون في الماء زحاماً على العبور؛ لأن الجسر كان فوق النهر)؛ ثم إن رجلاً جاء فقال: يا أمير المؤمنين إن القوم قد صفوا الصفوف؛ ورموا فينا؛ وقد جرحوا فلاناً ؛ فقال    علي t: هذا حين طاب القتال، فوثب فقعد على بغلته؛ وقمت إلى سلاحي فلبسته ثم شددته عليّ؛ ثم قعدت على فرسي؛ وأخذت رمحي ثم خرجت؛ فوالله ما صليت الظهر -أو قال العصر- حتى قتلت بيدي سبعين.

فها هو t قد استراب في أمرهم لما رأى  عبادتهم، لكن لمّا رأى حماسهم لقتل المسلمين؛ بل أخيارِ الناس بعد الأنبياء أصحابِ محمد r تيقن الخبر؛ لا سيما وقد سمع من علي t أنه يحدد مصارعهم.

وقد هزمهم الله Uشر هزيمة على يد عليt، ولذلك قال الآجرّي:"فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمام عدلاً كان أو جائراً؛ فخرج وجمع جماعة؛ وسل سيفه واستحل قتال المسلمين؛ فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن؛ ولا بطول قيامه في الصلاة؛ ولا بمداومة الصيام؛ ولا بحسن ألفاظه في العلم؛ إذا كان مذهبُه مذهبَ الخوارج".

ولا يظن مسلم أن بدعة الخوارج قد انتهت؛ بل إن  بدعتهم باقيةٌ إلى أن يخرج قوم منهم في الدجال؛ كما بين ذلك النبيr؛ ولكن الذي حصل أن الأزياء تغيرت؛ والألسن تبدلت؛ ولذلك التبس أمرهم على كثير من المسلمين، فعن عبد الله بن عمر t قال: قال رسول الله r : « ينشأ نشأٌ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج قرن قطع»؛ قال ابن عمرt : سمعت رسول الله r يقول: « كلما خرج قرن قطع؛ أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عراضهم الدجال » .

فقولهr : كلما خرج قرن قطع؛ دليل على أن الخوارج لن تقوم لهم قائمة أبداً. ومعنى قوله حتى يخرج في عراضهم الدجال: يعني حتى يخرج في خداعهم الدجال.

 فبدعة الخوارج باقية ولا زالت تعيش بين صفوفنا؛ ولكن أُلبست على كثير من الناس؛ لأن أصحابها في هذا الزمن تغيرت أزياؤهم؛ وتبدلت ملابسهم؛ وتلونت وجوههم؛ فباتوا يظهرون في كل وجه.

ومن تأمل السنة وخبر أعمالهم مع أصحاب النبي r  علم أوصافهم فحذرهم؛ وإنْ رأى منهم عبادة؛ لأن عبادتهم لأنفسهم؛ ولكن ضررَهم يعود على المسلمين جميعا.

 فهم يخرجون على أئمة المسلمين بالطعن والثلب؛ وإحداث القلاقل والفتن؛ كما خرجوا في وجه النبي r ، لما خرج أصلهم الفاسد ونبتتهم الأولى فقال للنبي r: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، وكما خرجوا على عثمان وعلي رضي الله عنهما.

ويجب التنبه إلى أن الخوارج طبقات ودرجات، ومن هؤلاء الخوارج طبقة تسمى القعدية؛ وهم الذين يهيجون الناس على الخروج على الحاكم ويحسنونه لهم؛ ولا يخرجون، وهذه الطائفة من طوائف الخوارج قد انتشرت أشرطتهم بين صفوف المسلمين؛ ولا يزالون يهيجون الناس على الحكام ويدفعون بالناس إلى الفتن؛ ثم بعد ذلك ينسلون في بيوتهم؛ بل ويفعلون ما هو أشد من ذلك؛ من إعلان البراءة من فعل هؤلاء المغرورين؛ وهذه طامة عظمى يراها كل مبصر ويعيها كلُّ عاقل .

وتجد أن هؤلاء إذا مُنعوا من الدنيا هاجوا وماجوا؛ وإن أُعطوا منها تحول حالهم إلى ما هو أحسن؛ فإذا بهم يكيلون للولاة والحكام من عبارات المدح والثناء؛ ما لو قاله صاحب سنة لَوَسمُوه بالنفاق والعمالة .

فتأملوا في هذا الواقع الذي يشيب الولدان، فتجد رجلاً يهيج الناس ويحرضهم، فإذا أعطي من الدنيا فإذا بلسانه يتغير؛ وإذا بمدحه يزداد؛ وإذا بالذم يعود مدحاً للحكام والولاة؛ فأين الطاعة بالمعروف ؟

فهو مأمور بالطاعة إن مُنع أو أُعطي، فلماذا يعلِّق هذا الأمر الشرعي بالدنيا؛ فإن أعطي منها مدح؛ وإذا منع منها قدح.

والطاعة ملازمة له على كل حال للحاكم المسلم في بلاد المسلمين؛ فلا تُعَلَّقُ بالدنيا.

ومن صفات هؤلاء الخوارج الجهل؛ كما وصفهم بذلك أصدق الخلق؛ وأنصح الخلق للخلق محمد r ؛ حيث إنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم؛ فتجدهم يحملون الآيات الواردةَ في الكفار والمنافقين ويضعونها على المسلمين، وإذا بهم يضعون النصوص في غير محلها الصحيح.

ومن عاداتهم الخروج على العلماء والطعن فيهم؛ وتنفير الناس منهم؛ وذلك للإنفراد بتوجيه الشباب؛ فإذا رأوا عالماً سنياً مقتفياً لسنة النبي r ؛ ورأوا منه توجيهاً وتسديداً ونصحاً للمسلمين؛ فإذا بهم يعودون عليه بالقدح والسب والطعن؛ لتنفير الناس منه.

ومع الأسف الشـديد؛ أن هـذا  قد درج عليه بعـض الناس بسبب ما يسمعونه من هؤلاء؛ فتجد بعض العامة مع أن فطرتهم سليمة؛ (أسلم من فطرة هؤلاء المنحرفين)؛ تجده يتكلم في عالم كبير جليل؛ ويطعنه بأنه عميل؛ وأنه لا ينكر على الحكام؛ وأنّه وأنّه..؛ وقد قال بعض السلف :" لحوم العلماء مسمومة؛ وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة "؛ بل ولعله يأتي إلى أمور لا يعلمها إلا الله؛ فيتهمه بأنه حصل على الأموال؛ أو قبض المبالغ الكبيرة للتحدث في هذا الحديث أو ذاك.

فأين العقول ؟ وأين البصائر ؟

ولكن لا غرابة فقد أوذي النبي r بأشد من ذلك فصبر؛ ومن كان على طريقته r فلا بد أن يناله نصيب من كلام هؤلاء الخوارج.

ومن صفاتهم ما ذكره النبي r، من قتالهم أهل الإسلام؛ ومسالمة أهل الأوثان ؛ فقالr عنهم : "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان " ؛ فتجد رجلاً منهم يعيش في ديار الكفر ويمدحها؛ لأجل ما يحصل عليه من معايش الدنيا وهو قد سُلب دينه.

فإذا به إذا ذكرت أمم الكفر مجّد ومدح وأثنى؛ وإذا ذكرت بلاد الخير من بلاد التوحيد أو البلاد التي تظهر فيها شعائر الإسلام؛ فإذا به يظهر كل نقيصة؛ حتى إنه ليكذب ويزور الحقائق.

ومن أعمالهم التي أدى إليها هذا الفكر المتشدد؛ تلك التفجيرات التي تحصل في بلاد المسلمين؛ فيقوم بها أولئك النشْأُ الجاهل؛ الذين مازالوا يملأ عقولهم أولئك المهيجون؛ الذين إذا حدثت طامة قالوا: لسنا منهم في شيء "وهذا عمل ندينه"!

وماذا عن الأشرطة التي ما زالت تغذي الناس سنين عديدة بهذا الفكر المتشدد، فإذا فعلوا هذا الفعل قلت:(قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيداً) .

هذه الأفكار إنما كانت من أفكار أولئك الخوارج الذين لا زالوا يبثونها في الشباب؛ حتى حدثت عندنا تلك الطوام العظيمة؛ فيأتون إلى بلاد المسلمين فيفجرون فيها.

وأين أنت من ذلك الرجل الموحد الذي قتل في هذا الانفجار؛( بأي ذنب قتلت؟)؛ وكيف ستحاج بين يدي الله وأنت قتلته من غير ذنب.

فماذا تقول ؛ وبماذا تدفع؟!

انظروا الى الجهلة ماذا يتأولون؟

 يقولون إن حدث هذا الانفجار وقُتل فيه بعض المسلمين فإنهم سيبعثون على نياتهم.

الله أكبر! كيف يبعثون على نياتهم؟!

التفجير في بلاد المسلمين لا يجوز بأي حال من الأحوال؛ ولو كان المتفجَّر فيه كافراً؛ قد جاء بعهد وأمان من حاكم المسلمين.

وكيف يحاج ذلك المغرور؛ وقد نشر الرعب والخوف بين صفوف المسلمين؛ بالقتل والتفجير.

أليس ذلك نوعا من الخيانة؛ واستجلاباً لدعاء المسلمين عليه؟.

يُؤتى إلى بلد من بلاد الإسلام تُقام فيه الصلاة والشعائر الإسلامية فيُفَجَّر فيه؛ لا شك أن هذا من فعل الخوارج.

وفي الجانب الآخر إذا تكلم بعضهم يتكلم وكأنه إمام المسلمين..سنفعل ونفعل؛ ونفجر في المكان الفلاني!

ومن أنت؟!

والمصيبة أنه لا يذكر بالتفجير إلا بلاد المسلمين.

ولعلها ستظهر الأيام أن بعض هؤلاء ما كان إلا آلة في أيدي الأعداء إن لم يكن قد ظهر حاله؛ نسأل الله I أن يعجل بكشف سرهم وفضحهم.

ومن صفات هؤلاء التي فارقوا فيها أصحابهم الماضين: أن الخوارج في السابق وإن كانوا أصحاب باطل إلا أنهم كانوا أصحاب شجاعة ولا يكذبون؛ فلما وقف الخارجي بين يدي الحجاج-وهو صاحب باطل- سبه في وجهه، ولكن انظروا إلى خوارج هذا الزمان.

مئاتُ الأشرطة تنضح بالفكر الخارجي وتحريض الناس على التخريب؛ فإذا حدثت الفتنة خرج في القنوات الفضائية ليندد بهذه الأفعال على استحياء.

فمن الذي أوصلهم إلى هذا؟..

ولماذا لمّا أعطيت من الدنيا؛ فإذا بك تتنازل عما تراه ديناً؟!

ولماذا بـدأ بعض هؤلاء يستعمـلون التقية، فإذا به يظهـر لأصحابه بوجه؛ وإذا

خرج إلى الناس-وقد أعطي شيئا من الدنيا- فإذا به يتنازل عن مبادئه؛ ويلبس وجهاً آخر.

إن المصيبةَ العظمى والطامةَ الكبرى؛ أنْ قُدِّم أمثالُ هؤلاء لإفتاء الناس؛ولا يملكون علماً،ولازالوا صغار السن والعلم؛ وقد فتنتهم القنوات الفضائية بتسميتهم علماء؛ فإذا بهم لما رَقَوا جبلاً صعباً شقَّ عليهم نزوله؛ فراحوا يتخبطون فجاءوا بالعجائب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على رسوله وعبده ؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فقد ذكر الإمام اللالكائي في كتابه السنة ؛ أنه طاف خارجيان بالبيت؛ فقال أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الخلق؛لن يدخل منهم الجنة إلا أنا وأنت؛ فقال له صاحبه: جنة عرضها كعرض السماء والأرض بنيت لي ولك؟

قال: أجل.

قال: هي لك ؛ وترك مذهبه  .

إن هذه النظرة القاتمة لدى ذلك الرجل؛ هي عينها التي ورثها أصحابُه في زمننا هذا؛ فبدأوا ينظرون إلى المجتمع المسلم نظرة سوداء قاتمة؛ فمن كان معهم فهو على الخير والهدى؛ ومن خالف مذهبهم فقد ضل سواء السبيل.

كما أن هذا الفكر المتشدد قد جلب لهم الوسواس؛ وسوء الظن بالمسلمين واحتقارهم؛ ومعاملتهم بوحشية؛ وكل ذلك إنما كان بسبب ما يرونه من اعتقاد تكفير من لم يكن على طريقتهم.

وما تلك الأعمال التخريبية التي تحصل في بلاد المسلمين إلا بسبب هذا المنطلق السيئ.

إنّ مما يحزن كلَّ مسلم صادق؛ وتستنكره الفطر السليمة؛ ما أحدثه أولئك المغرورون من التخريب في بلاد المسلمين؛ فقتلوا الأبرياء؛ وشوهوا صورة الإسلام البيضاء الناصعة.

فما ذنب طفل يقتل بلا سبب ولا جريمة؟!.

وما ذنب شعب يروع بلا جناية؟!.

وما هي النتيجة المرجوة من وراء هذا الفعل الدموي؟

والأدهى من ذلك؛ ما عزم عليه أهل الشر من التفجير في مكة المكرمة؛ قبلة المسلمين التي حرمها اللهI؛ وأوجب تأمين من دخلها؛ كما قال تعالى:( ومن دخله كان آمنا) ؛ وكانت الجاهلية تعرف ذلك؛ فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه؛ فلا يؤذيه بشيء؛ تعظيماً لهذه البقعة المباركة الطاهرة.

وقد توعد اللهI من همّ فيه بالإلحاد والظلم أو أراده بالعذاب الأليم؛ كما قال تعالى: ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) .

فكيف بمن فعله؟.

ولما فتح الله على نبيهr مكة المكرمة؛خطب الناس فقال:« إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي؛ ولم يحل لي إلا ساعة من نهار؛ فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه؛ ولا ينفر صيده؛ ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاه » .

فإذا كان الصيد والشجر محترمين في هذا البلد الحرام؛ فكيف بحال المسلم الذي هو أشد حرمة عند اللهIمن بيته الحرام؟!

إن هذه الفتن لَما تحير العقول والأفهام !

يعمد رجلٌ يدّعي الإسلام إلى المسلمين الآمنين؛ الذين جاءوا يطلبون رحمة الله ورضوانه؛ فيَهمَّ بالمكر بهم وتقتيلهم وترويعهم.

هل هذا هو الجهاد الذي يزعمون؟!

تُقتَّل النفوس المحرمة في بلد حرام!

نعوذ بالله من غياب البصيرة.

إنَّ مَن لم يدرك فكر هؤلاء وأبعاده؛ يظن أن في الأمر مبالغة؛ ولكن من عرف نظرتهم للمسلمين؛ وحقدهم الدفين؛ علم أن هذا مما يمليه عليهم دينهم الذي تدينوا به ؛ ألم يقل النبي r: يقتلون أهل الإسلام ؛ ويدعون أهل الأوثان؟.

والعجب ممن إذا سئل عنهم في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام؛ أخذ يهون من شأنهم؛ ويشرح طريقة علاجهم؛ ويصورهم وكأنهم هم الضحايا المظلومون؛ وكأنه يبرر فعلهم؛ لكن على خجل ووجل.

إن منتهى الحسرة والغبن أن ترى شباباً كانت تعدهم أمتهم المسلمة ليكونوا لها حصناً وستراً؛ فإذا بهم يتحولون إلى خونة؛ يكشفون عورتها؛ ويفضحون أسرارها؛ مَثَلهم في ذلك؛ مَثَل الابن العاق الذي ما زالت أمه تغذوه وترعاه؛ فلما قوي عوده؛ فإذا به يتهمها بكل ريبة؛ ويصفها بكل لقب دنيء.

فماذا يريد هؤلاء؛ هل يريدون الجهاد؟!

وهل الجهاد في تقتيل الأطفال والنساء والمسلمين؛ في بلد هو أكثر البلدان أمناً واستقراراً.

متى يعرف أولئك أنهم مغرورون؟

ألا يرون أن بعض هؤلاء الذين يدفعونهم لبث الرعب في بلادهم وأمتهم قد عاش في بلاد الكفرة؛ ودُعِم بقناة فضائية؛ ينشر بها فكره ؛ ويطعن فيها بدينه ؛ وإذا تكلم فإذا به يطالب بإعطاء الحريات التي تناقض الإسلام ؛ من حرية الاعتقاد ؛ وسفور المرأة واختلاطها السافر مع الرجال ؛ وإذا به ينتقد الحكام لدنيا؛ وهو يلبس لباس الدين زوراً وبهتاناً؛ ولو تمكن لعلمنا علم اليقين أن الحكام أشرف منه وأطهر.

وهذا ليس تخمينا ؛ فمطالبه وهو لا يملك شيئاً قد حوت الفجور كلَّه؛ فكيف إذا تمكن؟!

أرى خَلَلَ الرماد وميــضَ نارٍ  

                         فيــوشك أن يكون لها ضرامُ

 فإن النار بالعوديـــن تُذكى

                              وإن الحرب أولها الكـــلامُ

لئن لم يطفـــها عقلاءُ قوم

                              يكــون وقودها جثث وهامُ

فقلت من التعجب ليت شعري

                              أأيقــاظ أميـة أم نيــامُ؟!

فإن كانوا لحينهمُ  نياماً

                          فقل قومــوا فقد حان القيامُ

اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن؛ ونعوذ بك من الشقاق والنفاق وسيء الأخلاق..

 

Powered by: GateGold

جميع الحقوق محفوظة لموقع الموقع الرسمي للدكتور سالم العجمي